صرّح محمود علوي، وزير الاستخبارات في حكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، بأن السلطات الإيرانية لم تتمكن من تحديد هوية منفذي اغتيال 4 من العلماء النوويين، هم مسعود علي محمدي، ومجيد شهرياري، وداريوش رضائي نجاد، ومصطفى أحمدي روشن.
وأشار علوي إلى فشل الأجهزة الأمنية في القبض على المتورطين باغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده أو في استعادة الوثائق النووية المسروقة.
اعترافات قسرية ومحاكمات مشكوك فيها
يأتي هذا التصريح وسط تناقضات حول كيفية التعامل مع اغتيال العلماء النوويين. ففي 15 مايو (أيار) 2012، أعدمت السلطات الإيرانية الرياضي مجيد جمالي فشي بتهمة قتل مسعود علي محمدي، بعد محاكمة أثارت جدلاً واسعًا.
ووفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية، كان فشي أحد المتهمين الرئيسيين الذين زُعم أنهم تلقوا تدريبات في إسرائيل على تنفيذ الاغتيالات.
وبثّت شبكة الإعلام الرسمي الإيراني في العام نفسه برنامجًا بعنوان "نادي الاغتيالات"، والذي استعرض اعترافات قسرية لـ13 متهمًا بالتجسس لصالح إسرائيل.
شملت هذه الاعترافات تفاصيل مزعومة عن تلقي تدريبات على تنفيذ الاغتيالات واستخدام المتفجرات.
من بين المتهمين، كان مازيار إبراهيمي، الذي ظهر لاحقًا في ألمانيا وكشف في مقابلة مع "بي بي سي" الفارسية عام 2019 أن اعترافاته كانت نتيجة تعذيب شديد.
وأشار إلى أن السلطات أجبرته على الاعتراف بضلوعه في اغتيال علماء نوويين، بمن فيهم مجيد شهرياري.
الفشل في ملاحقة قتلة فخري زاده
على صعيد آخر، أوضح علوي أن الأجهزة الأمنية تمكنت من تحديد بعض المشتبه بهم في قضية اغتيال محسن فخري زاده، لكنها فشلت في القبض عليهم.
وأضاف: "تعقبنا المشتبه بهم من غرب طهران إلى أراك ثم همدان وسنندج وصولاً إلى سقز، حيث فقدنا أثرهم بسبب غياب كاميرات المراقبة. وبعد ذلك، تمكنوا من مغادرة البلاد".
كان فخري زاده أحد أبرز العلماء الإيرانيين في البرنامج النووي، وقد اغتيل في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 على طريق قرب بلدة آبسرد شرق طهران.
ونُسبت عملية اغتياله إلى إسرائيل، بينما تحدثت تقارير عن استخدام تقنية متقدمة في تنفيذ العملية، بما في ذلك سلاح آلي يزن طنًا جرى تهريبه إلى داخل إيران.
اعتقالات وإجراءات قضائية متضاربة
بعد اغتيال فخري زاده، توالت التقارير عن اعتقال مشتبه بهم. في البداية، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن 5 إلى 6 أشخاص شاركوا في العملية، فيما أعلنت شخصيات رسمية لاحقًا عن اعتقال بعض المتورطين.
في ديسمبر (كانون الأول) 2020، صرّح حسين أمير عبد اللهيان، الذي كان يشغل منصب مساعد رئيس البرلمان للشؤون الدولية، أن بعض منفذي العملية قد اعتقلوا.
لكن التقارير الدولية كشفت في فبراير (شباط) 2021 عن تفاصيل إضافية، حيث أشارت صحيفة "جويش كرونيكل" إلى أن فريقًا مكونًا من 20 شخصًا، من الإيرانيين والإسرائيليين، نفذ العملية بعد تخطيط دام 8 أشهر.
أحكام قضائية جديدة
بعد مرور عامين على الحادثة، أعلن علي صالحي، المدعي العام في طهران، في سبتمبر (أيلول) 2022 عن اتهام 14 شخصًا في قضية اغتيال فخري زاده. ووجهت لهم تهمًا تتعلق بـ"الإفساد في الأرض"، و"التجسس لصالح إسرائيل"، و"العمل ضد الأمن القومي".
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، كشف المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانغير عن ضبط 8 أشخاص بتهمة التجسس لصالح إسرائيل في محافظة أذربيجان الغربية. وأوضح أن 3 من هؤلاء نُسبت إليهم اتهامات تتعلق بنقل معدات لتنفيذ عملية الاغتيال، وصدر بحقهم حكم بالإعدام.
لكن منظمات حقوقية، منها شبكة حقوق الإنسان الكردستانية، أفادت بأن اثنين من المتهمين، وهما إدريس آلي وآزاد شجاعي من سكان سردشت، بالإضافة إلى رسول أحمد محمد من السليمانية بالعراق، تعرضوا لانتهاكات خلال التحقيقات.
وذكرت الشبكة أن هؤلاء المتهمين حُرموا من حق تعيين محامين أثناء فترة التحقيق، ولم يتمكنوا من الحصول على تمثيل قانوني إلا بعد إحالة قضاياهم إلى المحكمة الثورية.
غياب الشفافية واستمرار الشكوك
وتسود الشكوك حول نزاهة التحقيقات والإجراءات القضائية في قضايا الاغتيالات النووية. ويدعم هذه الشكوك تناقض الروايات الرسمية حول هوية المنفذين والأساليب المستخدمة.
في حين تشير التصريحات الأخيرة لعلوي إلى محدودية قدرات الأجهزة الأمنية في التعامل مع عمليات معقدة مثل اغتيال العلماء النوويين، فإن فشل السلطات في تقديم رواية متماسكة يعكس تحديات كبيرة يواجهها النظام الإيراني في حماية برامجه الحساسة ومواجهة التهديدات الخارجية.